مقال تحليلي، تلفزيون سوريا، 19 أغسطس 2024
كشفت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا عن بدء القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا بعملية تدريب "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" على أنظمة الدفاع الجوي من طراز "أفنجر - Avenger"، لتزويدها بها. وهو تطور ملحوط يؤكد استمرار المشاركة الأميركية في سوريا، في الوقت الذي يبدو فيه أن السياسة الخارجية الأميركية الأوسع نطاقًا تتحول بعيدًا عن الشرق الأوسط، إلا أن هجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأميركية في سوريا قبل وبعد حرب غزة، وما تبعها من رد إيراني مرتقب وآخر من حزب الله، دفعت واشنطن لإعادة الحسابات، في حين ستكشف الأشهر القادمة المكاسب والمخاطر خلف هذه الخطوة.
توفير مثل هذه المعدات العسكرية المتقدمة لـ "قسد" ليس مجرد مناورة تكتيكية، بل هو بيان استراتيجي مع تداعيات محتملة تتجاوز ساحة الصراع المباشرة. أدخلت القوات الأميركية منظومة أفنجر إلى شمال شرقي سوريا في شباط 2021، ورصد موقع تلفزيون سوريا دخول شحنات على التوالي كان آخرها في شهر حزيران الفائت.
لقد أثار هذا التحرك تساؤلات بين المحللين وصانعي القرارات على حد سواء، حيث يأتي في سياق تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تقليل بصمتها العسكرية المباشرة في المنطقة. ومع ذلك، فإن توفير أنظمة "أفنجر" لـ "قسد" يسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجهها الولايات المتحدة في التنقل في التوازن الدقيق للقوى في سوريا، وهي دولة تتقاطع فيها مصالح القوى العالمية والإقليمية بطرق متعارضة في كثير من الأحيان. لهذه التنقلات والتحولات تأثيرات دائمة على استقرار شمالي سوريا، والديناميكيات الجيوسياسية الأوسع في الشرق الأوسط.
نظام الدفاع الجوي أفنجر: التاريخ والتفاصيل التقنية
تم تطوير نظام الدفاع الجوي أفنجر في أوائل الثمانينيات من قبل شركة بوينغ، استجابة لحاجة الجيش الأميركي إلى نظام دفاع جوي فعال ومتنقل وقصير المدى. تم تصميم هذا النظام خصوصاً لمواجهة التهديدات الجوية على ارتفاعات منخفضة مثل الطائرات الهليكوبتر، والطائرات من دون طيار (UAVs)، والطائرات ذات الأجنحة الثابتة التي تطير على ارتفاع منخفض، ثم دخل نظام أفنجر الخدمة في عام 1987 وبدأ انتشاره في أواخر الثمانينيات.
النظام مثبت على مركبة هامفي (HMMWV)، مما يسمح له بالتنقل بشكل فعال عبر مختلف التضاريس. كل وحدة أفنجر مجهزة بمنصتين لإطلاق الصواريخ، كل منهما قادرة على حمل ما يصل إلى أربعة صواريخ FIM-92 ستينغر، وهي صواريخ موجهة بالأشعة تحت الحمراء معروفة بموثوقيتها وفعاليتها. بالإضافة إلى صواريخ ستينغر، النظام مسلح بمدفع رشاش عيار 0.50 M3P، مما يوفر دفاعًا ثانويًا ضد التهديدات الجوية والبرية على حد سواء.
منذ إدخاله في الخدمة، تم نشر نظام أفنجر في العديد من النزاعات والبيئات التشغيلية. خلال حرب الخليج (1990-1991)، تم نشر وحدات أفنجر كجزء من مظلة الدفاع الجوي التي تحمي القوات الأميركية وقوات التحالف المتمركزة في السعودية والكويت.
وعلى الرغم من أن التهديد الجوي العراقي خلال هذا النزاع كان محدودًا نسبيًا، إلا أن وجود أنظمة أفنجر أسهم في استراتيجية دفاع جوي متعددة الطبقات ساعدت في حماية القوات البرية من الهجمات الجوية المحتملة على ارتفاعات منخفضة.
في وقت لاحق، خلال حرب العراق (2003-2011)، تم نشر نظام أفنجر مرة أخرى لحماية القواعد الأميركية والمواقع الرئيسية من التهديدات الجوية. وفي أفغانستان، تم استخدام النظام للدفاع ضد التهديد المتزايد للطائرات من دون طيار، والتي استخدمتها الجماعات المتمردة بشكل متزايد في الحروب غير المتكافئة. بالإضافة إلى ذلك، تم نشر نظام أفنجر في العديد من المهام الإنسانية وعمليات حفظ السلام حيث كانت هناك حاجة إلى قدرات الدفاع الجوي لضمان سلامة القوات المنتشرة في مناطق غير مستقرة.
التكيف مع النزاعات الحديثة: الطائرات من دون طيار والتهديدات الناشئة
مع تقدم التكنولوجيا، تطورت التهديدات التي تواجهها القوات البرية أيضًا. جعل انتشار الطائرات من دون طيار في النزاعات الحديثة نظام أفنجر أكثر أهمية. إن مرونة النظام وقدرته على التنقل تجعله مناسبًا بشكل خاص لمواجهة هذه التهديدات الناشئة، خاصة في بيئات الحروب غير المتكافئة حيث يمكن أن تشكل الطائرات من دون طيار تحديًا كبيرًا لأنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الطائرات من دون طيار جزءًا لا يتجزأ من ترسانة العديد من الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية. في سوريا، على سبيل المثال، تم استخدام الطائرات من دون طيار بشكل مكثف من قبل مجموعات مختلفة للاستطلاع وتنفيذ الهجمات. هذا التطور في ساحة المعركة دفع القوات البرية لاتخاذ تدابير فعالة للتصدي لهذه التهديدات.
التوقيت الاستراتيجي للقرار الأميركي
يمكن فهم قرار الولايات المتحدة بتزويد "قوات سوريا الديمقراطية" بأنظمة "أفنجر" كرد مباشر على هذه التهديدات المتزايدة. في الأشهر الأخيرة، شهدت القواعد الأميركية في سوريا زيادة في الهجمات، خاصة من قبل القوات الموالية لإيران. تم تنفيذ العديد من هذه الهجمات باستخدام الطائرات من دون طيار، مما كشف عن نقاط ضعف في إعدادات الدفاع الجوي الحالية.
علاوة على ذلك، يأتي هذا القرار الأميركي في وقت كثفت فيه تركيا عملياتها العسكرية في شمال سوريا. تنظر تركيا إلى "قوات سوريا الديمقراطية" على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية.
شملت العمليات التركية ضربات جوية وهجمات بطائرات مسيرة ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية، مما دفع الولايات المتحدة إلى تعزيز قدرات حليفها الدفاعية.
من خلال تزويد "قوات سوريا الديمقراطية" بنظام "أفنجر"، يبدو أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق هدفين على المستويين التكتيكي والاستراتيجي:
توفير حماية فعالة ضد الطائرات من دون طيار والتهديدات الجوية الأخرى على ارتفاعات منخفضة، مما يعزز أمن "قوات سوريا الديمقراطية" والقوات الأميركية في المنطقة.
المساهمة في استقرار الوضع الأمني في شمالي سوريا من خلال تعزيز قدرة "قوات سوريا الديمقراطية" على الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها.
التداعيات الجيوسياسية: الاستقرار أم التصعيد؟
بينما يعزز توفير أنظمة أفنجر القدرات الدفاعية لـ "قسد"، فإنه يثير أيضًا أسئلة مهمة حول التداعيات الجيوسياسية الأوسع. تركيا، التي عارضت باستمرار الدعم الأميركي لـ "قسد" قد ترى في هذه الخطوة استفزازًا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التوترات في العلاقة الأميركية التركية المتوترة بالفعل. قد يؤدي هذا التطور إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية، لا سيما في ظل النزاعات الجارية حول قضايا أخرى، مثل استحواذ تركيا على منظومات صواريخ S-400 الروسية.
من ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء الأميركيون بأن توفير هذه الأنظمة سوف يسهم في تحقيق استقرار أكبر في المنطقة. من خلال تعزيز قدرة "قوات سوريا الديمقراطية" على الدفاع عن نفسها، وقد تقلل الولايات المتحدة من الحاجة إلى التدخل المباشر في النزاعات المستقبلية، مما يسمح لقوات سوريا الديمقراطية بمواصلة عملياتها ضد داعش والجماعات الأخرى مع اعتماد أقل على الدعم الأميركي.
ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار المحتمل يأتي مع بعض المخاطر. يمكن أن يؤدي تمكين "قوات سوريا الديمقراطية" بقدرات دفاع جوي متقدمة إلى تشجيعها على اتخاذ إجراءات قد تراها تركيا تهديدًا لأمنها القومي. بالإضافة إلى ذلك، قد يفسر النظام السوري وحلفاؤه هذه الخطوة على أنها إشارة إلى نية الولايات المتحدة للبقاء طويلًا في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات.
مقامرة محسوبة أم خطوة نحو الاستقرار؟
يمثل قرار الولايات المتحدة بتزويد "قسد" بأنظمة الدفاع الجوي أفنجر مخاطرة محسوبة. يهدف القرار إلى تعزيز قدرة حليف رئيسي على الدفاع عن نفسه ضد التهديدات الجوية المتطورة، مع التنقل في المشهد الجيوسياسي المعقد في المنطقة.
في جوهره، يعكس هذا القرار التحديات الأوسع التي تواجهها الولايات المتحدة في الحفاظ على نفوذها واستقرارها في الشرق الأوسط. على الرغم من التحول الاستراتيجي الأوسع الذي يبدو أنه يركز أقل على التدخل المباشر في النزاعات الإقليمية، كما يظهر هذا التحرك أن الولايات المتحدة ما تزال تجد من الضروري الانخراط عسكريًا، خاصة في المناطق المضطربة حيث تكون ديناميكيات القوى متقلبة وغير قابلة للتنبؤ في كثير من الأحيان.
يعتمد نجاح هذا القرار إلى حد كبير على كيفية استجابة أصحاب المصلحة المختلفين له. إذا تمكنت "قوات سوريا الديمقراطية" من استخدام هذه الأنظمة بشكل فعال لحماية مناطق سيطرتها، فقد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها خطوة إيجابية من قبل الجانب الأميركي وبالتالي الانتهاء من مرحلة معقدة من النزاع. ومع ذلك، إذا أدى إلى زيادة التوترات مع تركيا أو تصعيد المواجهات مع النظام السوري، فقد يكون ذلك بمثابة بداية لمرحلة جديدة من النزاع.
عند النظر إلى المستقبل، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا التزويد سيسهم في خلق بيئة أكثر أمانًا في شمالي سوريا أم أنه سيسهم في دورة من التصعيد والأعمال العسكرية. ما هو واضح هو أن هذا القرار سيكون له تأثيرات كبيرة ليس فقط على "قوات سوريا الديمقراطية" والولايات المتحدة، بل على الديناميكيات الأوسع للصراع السوري والمنطقة ككل.
في منطقة تتسم بتحالفات هشة ومخاطر عالية، يضيف إدخال نظام أفنجر طبقة جديدة من التعقيد إلى نزاع معقد بالفعل. ستكون الأشهر القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الخطوة ستساعد في استقرار شمالي سوريا أم ستسهم في زيادة عدم الاستقرار في منطقة مليئة بالتوترات وعدم اليقين.
Komentarze