الإثنين, 15 أيار 2017
ملخص تنفيذي
تبدو معركة الرقة بظروفها السياسية والعسكرية عملية استنساخ لمعركة الموصل، فمن الناحية السياسية تم إطلاق المعركة في مناخ متوتر محلياً وإقليمياً حول الأطراف المشاركة فيها، مقابل ضبابية تعتري مصير المدينة بعد التحرير. أما من الناحية العسكرية فقد استخدم التنظيم الاستراتيجية ذاتها التي استخدمت في الموصل، والتي تقوم على استنزاف القوات المهاجمة عبر المفخخات، ثم الانسحاب من الأطراف للتترس داخل المدينة في محاولة لفرض نمط حرب المدن على واقع المعركة.
عكست المراحل الأولى لمعركة الرقة حالة ضعف "قوات سوريا الديمقراطية" وعجزها عن الاستمرار بالمعركة منفردة، حيث احتاجت إلى تغطية نارية كبيرة جداً من التحالف الدولي، وتدخل مباشر من القوات الأمريكية والفرنسية على شكل عمليات إنزال لحسم المعارك الكبرى كالسيطرة على سد الفرات ومطار الطبقة العسكري.
إن المناخ السياسي المتوتر الذي يلف انطلاق معركة الرقة، وما رافقه من تعقيدات وتشابك مصلحي على المستوى الإقليمي والدولي؛ سينعكس بالضرورة على سيناريوهات حسم المعركة، وما سيليها من معارك ضد تنظيم الدولة في سوريا.
خلصت الدراسة إلى أربعة سيناريوهات محتملة لحسم معركة الرقة وما يليها من معارك ضد تنظيم الدولة في سوريا، تتراوح بين استمرار أمريكا باعتمادها القوات الكردية كطرف وحيد وما يترتب على ذلك من خلافات مع تركيا، أو صياغة تفاهمات جديدة بين تركيا والولايات المتحدة، وبين سيناريو تفاهم روسي أمريكي يسحب نموذج "منبج" إلى الرقة، مقابل ما قد يشكله اجتماع أستانة الأخير من مقدمة لسيناريو رابع يقوم على فتح أمريكا المجال لمشاركة جميع الأطراف في المعركة.
يبدو أن أهم إنجازات العودة الأمريكية هو تقويض تفاهمات ما بعد حلب، والتي أرستها روسيا، في محاولة لفرض تفاهمات جديدة تتوافق مع العودة الأمريكية إلى الانخراط المباشر بقضايا الشرق الأوسط، وتحديداً الملف السوري.
مدخل
في تاريخ 18 أيار/ مايو 2016 أطلقت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي يشكل تنظيم "وحدات حماية الشعب الكردية" "YPG"عمادها الرئيس؛ حملة عسكرية بهدف السيطرة على مدينة الرقة من تنظيم الدولة "الإسلامية"، وذلك بدعم وإسناد جوي من التحالف الدولي ومشاركة عدد محدود من القوات الأمريكية والفرنسية. المعركة التي تم إيقافها من قبل "قسد" في 31 أيار/مايو 2016 معللة ذلك بشدة مقاومة التنظيم وكثرة انتشار الألغام في أرياف الرقة، وبالتزامن مع ذلك تم الإعلان عن بدء معركة منبج والتي سيطرت عليها "قسد" في 12 آب 2016. لتعود وتستأنف معركة الرقة التي حققت في مراحلها الأولى والثانية والثالثة الأهداف المطلوبة منها، والمتمثلة في قطع اتصال فرعي تنظيم الدولة "الإسلامية" في سوريا والعراق وعزل وتطويق مدينة الرقة، تمهيداً للهجوم عليها، وهو هدف المرحلة الرابعة الجارية حالياً.
ولعل المعركة بظروفها السياسية والعسكرية تُعتبر عملية استنساخ لمعركة الموصل، فمن الناحية السياسية تم إطلاق المعركة في مناخ متوتر محلياً وإقليمياً حول الأطراف المشاركة فيها، مقابل ضبابية تعتري مصير المدينة بعد التحرير. أما من الناحية العسكرية فقد استخدم التنظيم الاستراتيجية ذاتها التي استخدمت في الموصل، والتي تقوم على استنزاف القوات المهاجمة عبر المفخخات وليس المواجهة المباشرة، وثم الانسحاب من الأطراف للتترس داخل المدينة في محاولة لفرض نمط حرب المدن على واقع المعركة، بالإضافة لذلك عكست المعركة حالة ضعف قوات سوريا الديمقراطية وعجزها عن خوض المعركة منفردة، حيث احتاجت إلى تغطية نارية كبيرة جداً من التحالف الدولي، وتدخل مباشر من القوات الأمريكية والفرنسية على شكل عمليات إنزال لحسم المعارك الكبرى كالسيطرة على سد الفرات ومطار الطبقة العسكري.
وعليه تسعى هذه الدراسة إلى تحليل المناخات والظروف السياسية المرافقة لمعركة الرقة، بالإضافة إلى تفكيك المصالح المتضاربة والمتشابكة للأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية بها، في محاولة لاستشراف السيناريوهات التي يمكن أن تحدد مصير المدينة بعد التحرير، ومسار المعارك اللاحقة ضد تنظيم الدولة في سوريا، والتي قد تنعكس بدورها على الحل السياسي وشكل الدولة السورية مستقبلاً.
أولاً: المناخات السياسية قبل المعركة
أثار إطلاق التحالف الدولي لمعركة الرقة بالاعتماد على طرف وحيد هو قوات سوريا الديمقراطية، موجة من المواقف الرافضة والمنتقدة من قبل باقي القوى الفاعلة على الأرض السورية، والتي تم استثناؤها إلى الآن من المشاركة في المعركة، ولكن بالمقابل عكس هذا السلوك الأمريكي المشابه لظروف إطلاق معركة الموصل أمرين؛ الأول: حاجة التحالف الملحة لفتح معركة في سوريا دعماً لمعركة الموصل، والثاني: هو رغبة واشنطن بأن تكون المعركة موجهة لحرب التنظيم فقط دون أن توظف في صالح أي طرف من الأطراف المشاركة فيها. ولذلك يبدو أن اختيار "وحدات الحماية الكردية" في سوريا، جاء لسهولة تطويعهم ضمن المصلحة الأمريكية بالقياس مع تركيا وروسيا، واللتين تبقى مشاركتهما في معركة الرقة الحقيقية، والتي لم تبدأ بعد رهناً بمرونتهما وقدرتهما على تنسيق مصالحهما مع الرؤية الأمريكية لحرب التنظيم، وشكل الحل السياسي في سوريا إجمالاً. ولكن مأزق اختيار الشريك وتوزيع الأدوار يبدو بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أكثر صعوبة في معركة الرقة منه في الموصل، وذلك لأسباب سياسية وعسكرية مختلفة عن الوضع في العراق، وأهمها:
الأسباب العسكرية
إن معركة الرقة ستكون أصعب كون المساحة الجغرافية لسيطرة التنظيم بدأت بالانحسار بعد خسارته مناطق واسعة في العراق، ما سيدفعه للتمسك أكثر بالمدن التي بحوزته في سوريا وبخاصة الرقة، ثم إن المراحل التي تم إنجازها في إطار عملية تطويق الرقة والتي خاضتها قوات سورية الديمقراطية أثبتت عدم قدرة تلك القوات منفردة على حرب التنظيم في سورية، خاصة بالنظر إلى تعداد قواتها والتي تقارب الـ30 ألف مقاتل، وهي تقديرات مشكوك فيها، ولكن حتى لو سلمنا بصحة تلك التقديرات فإن معركة الموصل والتي شارك فيها ما يقارب 120 ألف مقاتل لم تحسم بعد، فكيف يمكن أن تحسم معارك سوريا مع التنظيم بـ30 ألف مقاتل.
جدول رقم (1)، بطاقة تعريفية لأبرز معارك "قسد" ضد تنظيم الدولة 2016 -2017، مقياس الفعالية من 1 إلى 10
الأسباب السياسية
تتعلق الناحية السياسية بتشابك المصالح الإقليمية والدولية وانعدام الفاعلية المحلية في الحالة السورية بشكل أكبر بكثير من الحالة العراقية، ففي العراق على الرغم من ارتباط حكومة بغداد بإيران؛ إلا أنها حكومة تتمتع بالشرعية الدولية وتمتلك قوات حكومية وهوامش سيادية أكثر بكثير من حكومة الأسد، بالإضافة إلى أن إقليم كردستان هو كيان سياسي ناجز وغير إشكالي مع باقي القوى العراقية، وليس مليشيا تسعى لتحقيق مشروع كما هو الحال مع حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" في سوريا، أما عن عدد الفاعلين الإقليميين والدوليين فهو أقل في الحالة العراقية منها في السورية، الأمر الذي يحصرها في إطار الأزمة الإقليمية بين تركيا وإيران، ويلغي العامل الدولي بين روسيا وأمريكا، والذي يضيف مزيداً من التعقيدات في الحالة السورية.
إن تلك التعقيدات والتشابك المصلحي على المستوى الإقليمي والدولي، سينعكس بالضرورة على سيناريوهات حسم معركة الرقة، وما سيليها من معارك ضد التنظيم في سوريا، وهو ما توضحه ردود فعل الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية على إطلاق معركة الرقة بشكلها الحالي، إذ تتوزع التصورات المتضاربة للفاعليين المحليين والإقليمين وفقاً لما يلي:
تركيا (خطوط الأمن القومي)
بالنسبة لتركيا تشكل مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في معركة تحرير الرقة؛ خطاً أحمرَ يتعلق بأمنها القومي، لذلك جاء رد الفعل التركي قوياً عبر تصريحات صدرت عن الرئيس التركي وغيره من المسؤولين، ووصلت إلى حد التهديد بإغلاق قاعدة "إنجيرليك" والمجال الجوي التركي في وجه قوات التحالف في حال أصرَّ الأخير على التحالف مع سوريا الديمقراطية([1])، وكرد فعل عن تقاعس الولايات المتحدة والتحالف الدولي في دعم معركة درع الفرات، و التي خاضتها القوات التركية بالتعاون مع فصائل المعارضة السورية، وبالتنسيق مع الروس، مقابل تعاون خجول وتنسيق هش مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يعطي مؤشراً عن إمكانية أن تفتح أنقرة معركة باتجاه الرقة بالتنسيق مع قوات المعارضة السورية دون التنسيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وقد تكون بالتنسيق مع الروس لمنع تمدد قوات سوريا الديمقراطية وحيازتها مساحات جديدة من الأراضي السورية، ويعزز هذا الاحتمال تصريحات أنقرة بإنهاء معركة درع الفرات وعزمها فتح معارك أخرى في سوريا بهدف تحرير الرقة([2]) ودعمها لتشكيل قوات درع الشرقية والتي قوامها كتائب من المنطقة الشرقية في سوريا تعمل في ريف حلب الشمالي([3])، خصوصاً بعد إهمال واشنطن للمقترحين التركيين حول تحرير الرقة بالتعاون بين الجيش التركي والفصائل العربية([4])، مقابل فشل اجتماع وزراء دفاع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا الذي عقد في أنطاليا التركية في السابع من آذار المنصرم بالتوصل إلى تفاهمات حول الأطراف المشاركة في معركة الرقة .
لذا فإن تعاطي واشنطن مع الفيتو التركي حول شراكتها مع "سوريا الديمقراطية" في معركة الرقة، يُشكل اختباراً حقيقياً للعلاقة مع أنقرة، وهو ما عبر عنه مسؤولون أتراك صراحة بأن "تمسك واشنطن بمشاركة وحدات الحماية الكردية سيكون له تداعيات على العلاقات بين البلدين"([5]).
روسيا (مأزق الخيارات)
تَعتبر موسكو الانخراط الأمريكي المباشر في حرب تنظيم الدولة وزيادة عدد القوات الأمريكية في سوريا، انتقاصاً من هيمنتها السياسية وتفردها بمشهد القوة العسكرية على الأرض، والذي ساد في عهد إدارة أوباما، بل إن انطلاق معركة الرقة دون التنسيق مع موسكو وإعلان الولايات المتحدة رفضها إشراك قوات النظام أو المليشيات الإيرانية في المعركة، والذي يعني ضمناً عدم مشاركة موسكو؛ دفع المسؤولين الروس إلى طلب إشراكهم في المعركة عبر تصريحات عدة، عبّرت عن رغبة موسكو في التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في تحرير الرقة، حتى بعد الفتور الذي أصاب العلاقة بين موسكو وواشنطن غداة الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات، وإعلان روسيا تعليق التنسيق العسكري مع واشنطن في سوريا، عاد وزير الخارجية الروسي ليوجه رسائل ودية للأمريكان فيما يخص معركة الرقة، حيث شدد لافروف على ضرورة التعاون([6]) "وتوحيد الجهود بين روسيا والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في سورية". ولكن بالرغم من حاجة الولايات المتحدة للمشاركة الروسية في معركة الرقة؛ إلا أنها ترفض محاولات موسكو لتعويم حليفها الأسد من خلالها، وترهن أي دور محتمل لموسكو في الرقة أو ما بعد الرقة بالتوصل إلى تفاهم حول حل سياسي في سوريا يتضمن مصير الأسد، وهو ما يبدو صعباً إلى الآن.
تعيش روسيا ذات المأزق الأمريكي في معركة الرقة، وهو حسم قرارها باختيار حلفائها، فهي أمام خيارين، إما التخلي عن التحالف مع الأسد وإيران والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو الاستمرار في تحالفها معهما، وبالتالي التخلي عن دورها الدولي "كشريك في الحل" لتكون جزءاً من المشكلة، ولكن يبدو أن موسكو تحاول خلق خيار ثالث؛ عبر اللعب على هوامش الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا حول معركة الرقة ومشاركة الكرد فيها، الخيار الذي يمكن أن يكون مخرجاً لجميع الأطراف كما حدث في منبج، يستهدف حفز الولايات المتحدة على التعاون العسكري معها في الرقة، عبر مشاركة قوات النظام في المعركة ودخولها إلى مناطق معينة ترسم حدود التماس بين سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من تركيا على أن يكون ذلك تحت تنسيق روسي- أمريكي مشترك، على اعتبار أن هذا الطرح يضمن عدم فك التفاهمات القائمة، والتي تمخضت في مرحلة ما بعد سقوط حلب، خاصة التقارب الروسي التركي، حيث أن التحركات العسكرية لقوات النظام السوري لا يرفضها الأتراك كليةً لكونها تسهم في قطع تواصل المناطق الكردية الثلاث، القامشلي وعين العرب (كوباني) الواقعتين شرق نهر الفرات وعفرين الواقعة غرب النهر، وهو ما تريده أنقرة([7])، كما أن الفكرة نفسها تضمن عدم إهدار فرص تحسن العلاقات الأمريكية التركية عبر المتغير الكردي الذي سيتم تحجيمه وفقاً لهذا الطرح([8]).
إيران (الحذر من كل الأطراف)
رفضت إيران الوجود الأمريكي الجديد في سوريا، نافية الأنباء القائلة بأن دخول الولايات المتحدة لشمال سوريا تم بناءً على تفاهمات ثنائية بينهما([9]). حيث عكس هذا الموقف الإيراني والذي جاء على لسان رئيس البرلمان علي لارجاني، تخوفاً إيرانياً ليس فقط من استثناء إيران من عملية الحرب على الإرهاب، وإنما من جملة من التغيرات الاستراتيجية في المواقف اتجاهها، وبخاصة موقف إدارة ترامب، والذي اعتبرها الراعي الرئيس للإرهاب في المنطقة، ووضعها وميليشياتها في كفة واحدة مع باقي التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا، لذا فإن إيران تواجه تحديات استراتيجية قد تؤثر على مستقبل دورها وطموحاتها الإقليمية في المنطقة، فثمة صعوبات ستواجهها في ملفات المنطقة التي يتقاطع فيها دورها مع سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة؛ وهي تحديداً الملف العراقي (تقارب حكومة بغداد مع واشنطن على خلفية معركة الموصل، وازدياد معدلات الوجود العسكري الأمريكي هناك)، والملف السوري (إرسال قوات مارينز أمريكية لشمال سوريا)([10]).
بالمقابل تبدو إيران مرتابة من نشاط موسكو على المستوى الإقليمي، والمتمثل بالتقارب مع أنقرة ودخول قوات تركية إلى الشمال السوري، الأمر الذي يؤثر على نفوذها، إضافة إلى المستوى الدولي المتمثل بإمكانية التضحية بإيران وميلشياتها في صفقة روسية أمريكية تحفظ مصالح موسكو، خصوصاً بعد دخول إسرائيل كمتغير في علاقة الطرفين يضغط باتجاه إنهاء وجود المليشيات الإيرانية في سوريا.
قوات سوريا الديمقراطية (النفاذ من الشقوق)
يستغل حزب الاتحاد الديمقراطي المأزق الأمريكي في اختيار الشريك، ويقدم نفسه دائماً على أنه أهون الشرور بالنسبة لأمريكا، لذلك فهو يحاول جاهداً أن يبدي مرونة إزاء المطالب الأمريكية في معركة الرقة، من خلال زيادة عدد المقاتلين العرب في قوات سورية الديمقراطية، والإعلان إن إدارة الرقة ستكون لمجلس محلي من أهلها ولكن ضمن مشروع "الأمة الديمقراطية" على حد تعبير صالح مسلم([11])، ورغم النجاح الظاهري للحزب وميليشيا الـPYD التابعة له في تصدر مشهد معركة الرقة، إلا أن محاولات الأخير في اللعب مع الكبار على المستوى الإقليمي والدولي، والنفاذ من شقوق الخلافات التركية الأمريكية والروسية الأمريكية، تجعل من مشروعه الانفصالي رهناً لتفاهمات الكبار، و لعل ما حدث في منبج خير دليل على ذلك.
أما على صعيد العلاقة مع أنقرة؛ فقد صعدت قوات سوريا الديمقراطية من حدة تصريحاتها اتجاه المشاركة التركية في معركة الرقة، محاولةً إملاء شروطها على الولايات المتحدة للمشاركة في المعركة، حيث صرح طلال سلو عن إبلاغه المسؤولين الأميركيين بأنه " لا يمكن أن يكون لتركيا دور في الحملة لاستعادة مدينة الرقة"([12])، ولكن رد التحالف الدولي على لسان المتحدث باسمه، جون دوريان، لم يحسم أمر مشاركة تركيا من عدمه، حيث أشار إلى أن "الدور المحتمل لتركيا ما زال موضع نقاش على مستوى قيادة الجيش وعلى المستوى الديبلوماسي"، و"إننا منفتحون على دور لتركيا في تحرير الرقة وسنواصل المشاورات للوصول إلى نتيجة منطقية أياً كانت"([13]).
ومقابل تصريحات قوات سوريا الديمقراطية، والتردد الأمريكي، فإن أنقرة انتقلت مرة أخرى من مستوى التهديد إلى مستوى التحرك على غرار ما جرى في منبج، حيث تلوح في الأفق ملامح عملية عسكرية تركية ضد الأكراد في شمال سورية، في ظل تقارير عن حشود للجيش التركي على الحدود، وقصف طال تجمعات لقوات حزب العمال الكردستاني في سوريا، وفي هذا الإطار تحولت القوات الأمريكية إلى قوات فض اشتباك مجدداً بين تركيا والأكراد، حيث قامت بنشر قوات على الحدود السورية التركية تحسباً لاندلاع مواجهات مباشرة، ولكن هذا لا يعني ميلاً من جانبها لصالح الأكراد؛ فما تزال الولايات المتحدة تدرس بدائل لخطة أوباما حول تحرير الرقة، والتي اعتبرتها إدارة ترامب مليئة بالثغرات وبالتحديد فيما يخص استبعاد تركيا، ولكن المؤكد من خلال الموقف الأمريكي أن الأكراد لن يبقوا في الرقة بعد تحريرها وهو ما عبر عنه صراحة وزير الدفاع الأمريكي السابق، أشتون كارتر، والذي صرح بأن "الأكراد يدركون أنهم سيضطرون للانسحاب من الرقة بعد تحريرها، إذ يجب أن يتم تسليم المدينة لـ"قوات عربية" فور هزيمة داعش"، وبدورها، حذرت سامانثا باور، المندوبة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، من أن البدء في تنفيذ هذه الخطة سيضر بالعلاقات مع تركيا، بالإضافة إلى وضع واشنطن في موقف محرج بتقديم الدعم لطرف ينفذ هجمات دموية في أراضي دولة عضو في حلف الناتو([14]).
ثانياً: انطلاق المعركة والواقع الميداني
في ظل هذا المناخ المتوتر سياسياً؛ أعلنت "قسد" عن بدء معركة تحرير مدينة الرقة وأريافها تحت اسم "غضب الفرات"، بهدف عزل المدينة انطلاقاً من الأرياف الجنوبية لمدينة عين عيسى، وبدعم ومؤازرة كثيفة من طيران التحالف استطاعت "قسد" السيطرة على حوالي 500 كم²، وتم الإعلان عن نهاية المرحلة الأولى في 14/11/2016.
جدول رقم (2)
وركزت الحملة منذ بدايتها على الريف الجنوبي لعين عيسى، وهي مناطق يسهل السيطرة عليها بالمقارنة مع المناطق السكنية، ولكن على الرغم من ذلك لم يكن الأمر بهذه البساطة، حيث اعتمد فيها التنظيم على سياسة ألغام الأفراد والآليات التي نشرها في المناطق المحيطة بعين عيسى بشكل عشوائي مما كبد قوات "قسد" العديد من الخسائر، وكانت ألغام التنظيم السبب الرئيس لكثافة غارات التحالف على مناطق لا تحصينات فيها للتنظيم.
بدأت المرحلة الثانية من معركة "غضب الفرات" في 10/12/2016، بهدف السيطرة على الريف الغربي لمدينة الرقة على امتداد نهر الفرات. ولعل أبرز التطورات في تلك المرحلة تمثل بإعلان "قسد" انضمام أطراف جديدة للمعركة وهي:
قوات النخبة التابعة لتيار الغد السوري (أحمد الجربا بعد عقده اتفاقية مع حركة المجتمع الـديمقراطي TEV-DEM).
المجلس العسكري لدير الزور.
انضمام مباشر من بعض القبائل العربية في المنطقة.
وخلال الإعلان أكدت الناطقة باسم غرفة عمليات غضب الفرات "جيهان شيخ أحمد" على نجاح التنسيق بشكل فعال في المرحلة السابقة مع قوى التحالف الدولي وبأن التنسيق مستمر.
استمرت المرحلة الثانية حتى 16/01/2017، وخلالها تم السيطرة على مواقع هامة كثيرة منها "قلعة جعبر" الأثرية، ومساحة تبلغ 2480 كم².
جدول رقم(3)
أعلنت "قسد" في 4 شباط 2017، عن بدء المرحلة الثالثة من معركة "غضب الفرات"، وتركزت أهداف هذه المرحلة على: قطع الاتصالات بين الرقة ودير الزور والتقدم نحو "عاصمة" تنظيم «الدولة الإسلامية» من الشمال والغرب.
جدول رقم (4)
وفي منتصف شهر آذار 2017 اشتدت غارات طائرات التحالف على مدينة الطبقة وأريافها، حيث تجاوز عدد غارات التحالف من 17 آذار حتى 26 آذار الـ 125 غارة، ثم في 25 آذار بدأ هجوم بري على سد الفرات في الطبقة والذي يمتد لـ 4 كلم، وفي 26 آذار تعرض السد إلى غارات عدة من طائرات التحالف أدت إلى خروجه عن العمل.
وعلى الرغم من كثافة الغارات عجزت وحدات الحماية الكردية عن التقدم في السد، معلله ذلك بكثرة ألغام داعش، وفي اليوم نفسه، وبحسب مصادر خاصة حدث إنزال مظلي لقوات أمريكية في الجهة الغربية من ريف الطبقة كما عبرت قوات وحدات الحماية النهر، وبدأ هجوم على المطار العسكري من المحاور الجنوبية دون الهجوم على المدينة.
وفي مساء 26 آذار نشر قيادي في وحدات الحماية السيطرة على المطار، وبعد السيطرة على مطار الطبقة بدأت القوات الكردية وبإشراف أمريكي وفرنسي تام بالعمل على السيطرة على أرياف المدينة بغرض محاصرتها والذي حدث في منتصف شهر نيسان، وانتقل الصراع إلى داخل المدينة مع كثافة الغارات من طيران التحالف، حيث وصل عدد غارات التحالف على الطبقة وأريافها في شهر نيسان إلى 215 غارة، والتي كانت أعلى نسبة من الغارات بالمقارنة مع أهداف التحالف الأخرى في شهر نيسان، الموضحة بالشكل البياني التالي:
جدول رقم (5)
القوى المشاركة بهجوم الطبقة: كانت عمليات الإنزال الجوي جنوب نهر الفرات أمريكية بامتياز، بينما تواجدت القوات الفرنسية في "جعبر" على الطرف الآخر، وهي التي أمّنت قوارب عسكرية لنقل وحدات الحماية إلى الطرف الأخر. حاولت قوات التحالف تأمين مطار الطبقة ليصبح مركز إمداد وانطلاق لهم، ثم محاصرة الطبقة، أما وحدات الحماية YPG"" فهي موجودة فقط لحماية ظهر قوات التحالف والتمركز بعد مغادرتها.
خريطة رقم (1) توضح الوضع الميداني في محيط مدينتي الرقة والطبقة بتاريخ 7 شباط 2017 و7 أيار 2017
وعلى الرغم من أن سوريا الديمقراطية أعلنت عن إطلاق المرحلة الرابعة من عملية غضب الفرات، وأن المراحل السابقة قد حققت أهدافها، إلا أنها لم تستطع السيطرة على مدينة الطبقة حتى تاريخ 4 أيار 2017، وذلك باتفاق ضمن خروجاً آمناً لعناصر تنظيم داعش مع عوائلهم إلى محافظة دير الزور([15])؛ أي إن معركة مدينة الطبقة ورغم كثافة غارات الطيران ومشاركة قوات أجنبية برية دامت أكثر من شهر، ولم تشهد معارك مباشرة حقيقية مع التنظيم.
في 13 نيسان أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن انطلاق المرحلة الرابعة من عملية غضب الفرات، والتي تهدف إلى تطهير ما تبقى من الريف الشمالي لمدينة الرقة، ووادي جلاب من إرهابيي داعش، وفق ما ورد في بيان صادر عن بيان لقيادة غرفة عمليات غضب الفرات([16]).
تكلفة المعركة (البنية التحتية والمدنيين):
دمرت غارات التحالف في شهر أيلول 2016 الجسور المتبقية العابرة للفرات بين الحدود العراقية وشرق الرقة كافة؛ بالإضافة إلى ذلك، دمرت غارات إضافية جسريْ المدينة في 3 شباط 2017. كما تضرر سد الفرات نتيجة الاشتباكات، حيث إن وضع السد الآن غير جيد مع ارتفاع مستوى المياه إلى 10 أمتار منذ بداية العام، ومع تعطيل الضربات الأمريكية للأجهزة التي تتحكم بالسد وبتخفيف مياهه، خاصة مع بدء ذوبان الثلوج وارتفاع منسوب المياه أكثر.
توقف سد الفرات عن العمل بسبب الاشتباكات بين القوات الكردية ومقاتلي "داعش"، إضافة إلى قصف التحالف الدولي مناطق بقرب السد، ومخاوف دولية من انهياره مما يعني ارتفاع منسوب المياه التي تحتجز خلفه إلى أكثر من 10 مليار مُكعب متر، مما يُنذر بغمر ثلث مساحة سوريا، بالإضافة إلى أراضٍ واسعة في العراق تصل إلى مدينة الرمادي، في حال انهيار السد.
جميع المشافي في ريف الرقة أصبحت خارج الخدمة، والمشفى الوحيد المتبقي في مدينة الرقة بات يعمل بربع طاقته، على الرغم من أن المدينة تحوي حوالي مئتي ألف مدني([17]). وفي 21 آذار 2017 استشهد وأصيب أكثر من 200 مدني، في قصف جوي نفذته طائرات تابعة لقوات التحالف الدولي على مدرسة يقطنها نازحون في بلدة "المنصورة" بريف الرقة([18]).
ليعود طيران التحالف في 22 آذار 2017 ويرتكب مجزرةً مروعة جديدة في مدينة الطبقة غربي الرقة، وذلك إثر استهداف طائراته لفرن وسوق في الحي الثاني من المدينة، وقد استشهد أكثر من 25 مدنياً، وجرح أكثر من 40 شخصاً جراء تلك الغارات التي شنها التحالف على الطبقة([19]).
وفي تاريخ 22 نيسان 2017 استشهد 5 مدنيين وأصيب آخرون جراء قصف طيران التحالف من جديد على مدينة الطبقة، بينما شهد تاريخ 11 نيسان 2017 مقتل 18 عنصراً من قوات سورية الديمقراطية، وذلك إثر غارة لقوات التحالف استهدفت مواقعهم "بالخطأ"، حيث أصدرت قوات التحالف بياناً أوضحت فيه أن "الضربة تمت بناءً على طلب من القوات الشريكة التي حددت موقعاً مستهدفاً، قالت إنه موقع قتالي لتنظيم داعش"، مضيفاً أن "الهدف كان في الحقيقة موقعاً قتالياً متقدماً لقوات سورية الديمقراطية"، ومشيراً إلى أن الضربة وقعت جنوب مدينة الطبقة([20]).
ثالثاً: سيناريوهات الحسم
رغم أن قوات سوريا الديمقراطية إلى الآن تتصدر المشهد، وتبدو أنها القوة المرشحة لتحرير مدينة الرقة؛ إلا أن جملة من العوامل تُظهر أن هذا ليس هو السيناريو الوحيد المرجح لمعركة تحرير الرقة، فالأمر ليس منوطاً فقط بالقوة التي تنفذ الهجوم، وإنما بإدارة المدينة بعد التحرير، وملاحقة فلول "داعش" ومعركة دير الزور اللاحقة والحاسمة كآخر معقل للتنظيم في سوريا. ويمكن إجمال العوامل المؤثرة في رسم ملامح السيناريوهات الممكنة للمعركة بما يلي:
عدم قدرة قوات سوريا الديمقراطية على خوض المعركة منفردة، الأمر الذي رتب على قوات التحالف الانخراط بشكل مباشر في تحرير بعض النقاط الهامة، وزيادات متلاحقة في أعداد القوات الأمريكية في سوريا، هذا بالإضافة إلى أخطاء تحديد الأهداف التي ارتكبتها سوريا الديمقراطية، والتي تسببت بخسائر بشرية كبيرة بين المدنيين.
جغرافية محافظة الرقة المفتوحة على محافظات الحسكة ودير الزور المفتوحة على العراق في الجنوب الشرقي، وغرباً على محافظتي حماة وحمص، وشمالاً باتجاه تركيا، الأمر الذي يعقد المعركة من خلال تعدد القوى المحلية والإقليمية المتطلعة للمشاركة في المعركة، والتي تملك نقاط اشتباك مع المحافظة.
الصراع على تركة التنظيم والتي تشكل مساحات جغرافية هامة؛ ترتبط بشكل مباشر بمآلات الحل السياسي في سوريا، الأمر الذي أخضع المعركة للمصالح المتضاربة بين الأطراف المحلية والإقليمية الدولية المنخرطة في الأزمة السورية.
مأزق إدارة ترامب، والتي وجدت نفسها أمام خطة مليئة بالثغرات بحسب تعبيرهم، وضعتها الإدارة السابقة لتحرير الرقة تقوم على الاعتماد على الأكراد وتسليحهم، ولكنها تتعارض مع توجه الإدارة الجديدة نحو تحسين العلاقة مع تركيا وزيادة التنسيق مع روسيا لصياغة حل سياسي للأزمة السورية.
وبناءً على تلك العوامل يُمكن رسم ملامح سيناريوهات أربعة لمعركة الرقة، وهي:
السيناريو الأول
استمرار الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتماد على قوات سورية الديموقراطية وحدها، وتفعيل دور الفصائل العربية المنخرطة في صفوف تلك القوات بشكل حقيقي، وليس ديكورياً كما يحدث الآن، لتكون معادل قوة لـPYD داخل قوات سوريا الديمقراطية، ومن ثم تسليم الرقة لمجلس محلي يمثل كل المكونات وهو ما يجري الإعداد له حالياً، وما يدعم احتمالية هذا الخيار هو زيادة عدد القوات الأمريكية في سوريا، ووضع ألف جندي أمريكي في الكويت كاحتياط للمشاركة في المعارك الدائرة مع التنظيم في سوريا والعراق، بالإضافة إلى منح الرئيس ترامب للجيش صلاحية تحديد مستويات القوات في العراق وسوريا([21])، وفي ظل هذا السناريو قد تتمكن الولايات المتحدة من إنجاز معركة الرقة، ولكن بجهد كبير وانخراط مباشر وفترة زمنية طويلة، وستبقى الإشكالات السياسية عالقة، وخصوصاً مع تركيا، لتُرحّل ذات الإشكاليات إلى معركة ما بعد الرقة، وفي ظل إصرار تركيا وجديتها في منع سيطرة "سوريا الديمقراطية" على مزيد من الأراضي، وتقطيع أوصال المناطق التي بحوزتها، فقد يؤدي تأزم الموقف مع الولايات المتحدة؛ إلى أن يكون المخرج الوحيد لهذا السيناريو هو مخرج منبج، وهو ما تطمح إليه موسكو أي استغلال الخلافات الأمريكية التركية لطرح مشاركة قوات النظام في المعركة.
السيناريو الثاني
التعاون الأمريكي التركي واستبعاد الأكراد؛ وذلك وفق الخطتين التركيتين، إما الدخول إلى الرقة من تل أبيض وإفساح قوات سوريا الديمقراطية ممراً للقوات التركية بعرض 25كم، وهذا معناه خسارة الـPYD لتل أبيض وقطع الاتصال بين القامشلي وعين العرب (كوباني) وهو أمر شبه مستحيل، أو الدخول من الباب وهذا يعني إما الصدام مع قوات النظام أو التنسيق معها، ولا يبدو إلى الآن أن الاستغناء الكامل عن قوات سوريا الديمقراطية وارد في احتمالات الإدارة الأمريكية، كما أن الخيار بمشاركة قوات عربية مدعومة من تركيا إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية هو أمر غير وارد أيضاً، وهو مرفوض من تركيا ومن سوريا الديمقراطية، فالمعركة بالنسبة لتركيا لا تقبل القسمة على اثنين وبخاصة مع الكرد .
السيناريو الثالث
التوصل إلى اتفاق أمريكي روسي حول صيغة الحل في سوريا، يترتب عليه تحييد تركيا ومشاركة قوات النظام إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، وهو أمر لا ترفضه الأخيرة، وما يعزز هذا الاحتمال هو سعي النظام المحموم للتقدم في ريف حلب الشرقي للوصول إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة (محور خناصر الرقة)، وتعزيز وجوده في "أثريا" على طريق مدينة الطبقة، بالإضافة إلى تواجده في تدمر والتي تمثل نقطة في البادية على طريق تدمر الرقة، وهو ما يحاول تعزيزه للسيطرة على نقاط أكبر في البادية عبر مهاجمة مناطق سيطرة "أسود الشرقية" في الأيام الماضية([22])، يضاف لذلك النقاط العسكرية التي يمتلكها النظام في دير الزور وبخاصة في الريف الغربي المتصل مع الرقة، أو مطار دير الزور العسكري في الريف الشرقي للمحافظة والذي ينتهي بالحدود السورية العراقية، الأمر الذي يفرض عسكرياً على التحالف الدولي التعاون مع قوات النظام إن لم يكن في معركة الرقة فسيكون في معارك ما بعد الرقة .
السيناريو الرابع
قد يشكل اجتماع أستانة الأخير، وما تمخض عنه من توافق حول إقامة أربع "مناطق منخفضة التوتر"؛ مقدمة لسيناريو رابع يقوم على فتح الولايات المتحدة الأمريكية المجال لمشاركة جميع الأطراف في معركة الرقة وما بعدها، عبر محاور يتم توزيعها بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام والمعارضة المدعومة من تركيا، حيث تقوم القوات الأمريكية والروسية بتنسيق الأدوار بين القوى المنخرطة في المعركة بشكل يضمن فاعليتها، ويمنع الاحتكاك أو الاشتباك بينها، وما يدعم فرضية هذا السيناريو، هو التوافق على خطة المناطق منخفضة التوتر، والذي يشمل هدنة بين قوات النظام والمعارضة وتثبيت لمناطق النفوذ بشكل يسمح للطرفين بتركيز جهودهم لحرب تنظيم الدولة، كما أن رعاية تركيا وروسيا لهذا الاتفاق والمناخ الإيجابي للقاء الذي جمع الرئيسين التركي والروسي قبل الاتفاق، يحمل دلالات على وجود تفاهمات مرضية لتركيا حول معركة الرقة، كما أن الموقف الأمريكي المرحب بالاتفاق يحمل إشارة لاحتمال تفاهم ثلاثي حول المعركة، خصوصاً وأن روسيا أعادت العمل باتفاق التنسيق الجوي مع الولايات المتحدة في سوريا، والذي كانت جمدته بعد ضرب الأخيرة لمطار الشعيرات، ولكن يبدو أن ملامح هذا التفاهم الثلاثي ستتضح بشكل أكبر بعد اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي في منتصف الشهر الجاري .
الخاتمة
يبدو أن الوجود الأمريكي في سوريا لحرب تنظيم الدولة، والذي يمثل متغيراً جديداً في معادلة القوة السورية، أضفى على المشهد مزيداً من التعقيد والتشابك بين مصالح أطراف متنافرة، تحاول الولايات المتحدة الاستفادة منها وتحجيمها بالوقت ذاته، وعليه كان أهم إنجازات الدخول الأمريكي هو تقويض تفاهمات ما بعد حلب والتي أرستها روسيا، في محاولة لفرض تفاهمات جديدة تتوافق مع العودة الأمريكية إلى الانخراط المباشر بقضايا الشرق الأوسط، ولكن تلك التفاهمات الجديدة لا تزال غير واضحة المعالم، ويبدو أنها مؤجلة إلى ما بعد القضاء على تنظيم الدولة، والتي تشكل معركة الرقة وما بعدها نقطة ارتكاز لتلك التفاهمات، ومحدداً لمصير وشكل سوريا التي سيتم التوافق عليه بين أطراف الصراع الإقليمية والدولية .
Comments